روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | حديث القرآن الكريم عن فاقدى الشعور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > حديث القرآن الكريم عن فاقدى الشعور


  حديث القرآن الكريم عن فاقدى الشعور
     عدد مرات المشاهدة: 6806        عدد مرات الإرسال: 0

الشعور نعمة من نعم الله على الإنسان، الذى فضّله الله على كلِّ من يشاركه فى الحياة من الكائنات الحية، وكلّ كائن حىٍّ وهبه الله من الشعور بنفسه، وبما حوله، وبعاقبة أمره بمقدار مستوى حياته، ولما كان الإنسان أرقى المخلوقات، وأكرمها عند الله كان حظُّه من الشعور أوفر، وبمقدار ما ينمِّى الإنسان فى نفسه حاسَّة الشعور يكون أكثر وعيًا بمكانته فى الوجود بين الخليقة، كما يكون أشدَّ وعيًا بما ينفعه فيسعى فى جلبه، وما يضرُّه فيبادر فى دفعه.

والإنسان مخلوق للحياة بشقَّيها الدنيوى، والأخروى، فشعوره يكتمل، ويرقى حينما يجمع بين الشعور بالحاجة إلى الحياتين، ويوازن بينهما، ولا يعينه على ذلك إلا عقل حصيف، وشرع حنيف.

والقرآن الكريم أول المصدرين للشرع الحنيف الذى إرتضاه الله- تعالى- لعباده يملأ الإنسان شعورًا بنفسه، وبما حوله، وبمن حوله، ويقدِّم له كل الوسائل التى تنمِّى فيه هذا الشعور الذى يتفرّد به على غيره.

ولكن حديث القرآن الكريم عمن فقد شعوره حديث الإستثناء من القاعدة، لأن الأصل فى الإنسان الشعور، والشعور الراقى المتميِّز رقىَّ الإنسان نفسه وتميِّزه.

ونجد فى القرآن الكريم خمسًا وعشرين آية إختتمت بنفى الشعور عمن تتحدَّث عنهم.

أربع منها واجهت المخاطب مواجهة، فجاءت بأسلوب الخطاب.

¤ آيتان تخاطبان المؤمنين:

*الأولى/ قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] فهى تنهى المؤمنين الذين ودّعوا من قضى نحبه من المجاهدين الذين شروا أنفسهم فى سبيل الله أن يقولوا عنهم إنهم أموات لمجرد أنهم فارقوا حياتهم الدنيا، ولكنهم أحياء، وعدم شعوركم بحياتهم ليس دليلاً على عدم حياتهم، فشعوركم مقيّد، وإنتفاؤه لا ينفى الحياة التى لا يصل إليها شعوركم، وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

* الثانية/ قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] وهى تخاطب المؤمنين محذِّرة إيَّاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبى عليه الصلاة والسلام، وأن يجهروا له بالقول فى حضوره كما يجهر بعضهم لبعض، لئلا تبطل أعمالهم بسبب هذا الإجتراء على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى يؤدى حتمًا عند التمادى فيه إلى الإجتراء على سنّته، والدين الذى جاء به، وكل هذا الذى بدأ برفع الأصوات عنده، وعندئذٍ تحبط الأعمال من غير شعور من أصحابها.

والآية وإن خاطبت المؤمنين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلمخطابًا مباشرًا، إلاّ أن هذا لا يمنع أن يندرج تحت هذا الخطاب المتضمِّن النهى مَن جاء بعد معاصرى رسول الله، فإن صوت الإنسان عامة، فضلاً عن صوت رسول الإنسانيّة ليس من قبيل حفيف الأشجار، وخرير المياه، بل هو صوت يحمل من المعانى، بل ما كان خاصاًّ برسول الله فهو وحى يوحى، يحمل العلم، والهداية، فإذا ما مضى الصوت الحسِّى برحيل رسول الله عن دنيا الناس فقد بقى ناتج هذا الصوت خالدًا لا يجوز أن تتقدَّمه أصوات البشر التى تحمل أفكارهم، ورؤاهم، كما جاء فى الآية التى سبقت هذه الآية، وهى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] هذا إضافة إلى الأدب فى مجالس العلم التى يُتَدارس فيها كتابُ الله وسنَّةُ نبيِّه، فهما صوته الباقى على مرِّ الزمان.

والآية مع تحذيرها المؤمنين مما حذرت حتى لا تكون العاقبة الوخيمة المذكورة من حيث لا يشعرون، فإنها من خلال ذلك التحذير تردُّهم إلى الشعور الذى ينبغى أن يتسم به المؤمنون.

* الآية الثالثة من آيات خطاب الذين لا يشعرون: جاءت تخاطب العباد جميعًا، جميع المكلفين، وهى قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِن رَبِّكُمْ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55] والآية ضمن خطاب ودود من ربٍّ غفور رحيم ودود، ينادى عباده، ويكلف رسوله أن ينقل هذا النداء الحنون: {قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] فحرىٌّ بالمؤمن العاقل بعد هذا النداء الموقظ أن يستردَّ شعوره.

* الآية الرابعة من آيات الخطاب الأربع: خاصة بقوم نوح عليه السلام من المشركين، حيث دعاهم إلى دين الله، فكان من بين ما منعهم عن الإستجابة له ما عبَّروا عنه بقولهم: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ*قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّى لَوْ تَشْعُرُونَ} [الشعراء:111-113] وخطاب نوح عليه السلام لقومه وإن جاء فى صيغة التمنى بلوليتكم تشعرون، إلاَّ أنه يحمل فى طيّاته الحكم عليهم بعدم الشعور، بل أسف نبيهم على عدم شعورهم بالعواقب.

والآية وإن كانت فى تنزُّلها تتحدّث عن قوم نوح إلاَّ أنّها عامَّة فى كلِّ مكذِّبٍ جاحد عنيد، فإن لغة الكفر، والطغيان واحدة، قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِن رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53].

والآيات التى تذُيَّل بنفى الشعور، والتى جاءت بأسلوب الغائب تعدادها إحدى وعشرون آية.

وهذه الآيات يمكن أن نقسمِّها أقسامًا:

= القسم الأول: يتحدث عن عدم شعور الماكرين بأن مكرهم ينقلب عليهم، وهم لا يشعرون بذلك.

= القسم الثانى: يتحدَّث عن مباغتة العذاب لهؤلاء الماكرين الجاحدين، سواء أكان العذاب دنيويًا أم أخرويًا.

= القسم الثالث: يذكر أن المغرورين من الجاحدين المارقين يتوهَّمون أن إرخاء ربِّهم لهم العنان، بإمدادهم بالمال والبنين مسارعة لهم فى الخيرات، وهذا ما جاء فى قوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 56].

= القسم الرابع: فيتحدَّث عن مباغتة القيامة حين تقوم، والناس فى غفلة منها.

ويجمع الأقسام الأربعة أنهم جميعًا صنف واحد فى الصدِّ عن الحقِّ، ولكن كلٌّ بطريقته:

* منهم المنافقون الذين يجمعون مع المكر والكيد المخادعة بسبب ما أوتوا من نفاق، وتلوُّن، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9] وكما يخادعون فى القول بإظهار الإيمان وإبطان الكفر، بغية إخفاء مكرهم، وكيدهم فإنهم يخادعون بالعمل المفسد الذى يهلك الحرث والنسل، ومع ذلك يخادعون بأنهم هم المصلحون، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] وقد عبَّر القرآن الكريم عن فقدانهم الشعور بأبلغ تعبير حيث شبَّههم بأنهم خُشُبٌ مسنَّدة، قائلاً: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] جاء فى تفسير الشيخ إسماعيل حقى: شُبِّهوا فى جلوسهم فى مجالس رسول الله مستندين فيها بخشب منصوبة مسندة إلى الحائط فى كونهم أشباحًا خالية عن العلم والخير والإنتفاع، ولذا إعتبر فى الخُشُب التسنيد، لأن الخُشُب إذا إنتفع به كان فى سقف أو جدار أو غيرهما من مظانِّ الإنتفاع، فكما أن مثل هذا الخشب لا نفع فيه فكذا هم لا نفع فيهم، وكما أن الروح النامية قد زالت عنهم فهم فى زوال إستعداد الحياة الحقيقية والروح الإنسانى بمثابتها.

* ومنهم طائفة من أهل الكتاب تمالأت مع بقيَّة فلول الكفر، والصدِّ عن سبيل الله، جمعتهم المنافع الوهمية الزائلة، فانغمست هذه الفئة مع إخوانها فى الكفر والضلال، والإضلال، ونسوا ما يحملون من بقية كتاب سماوى يقودهم إلى الحق، والدين القويم، قال تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [آل عمران:69]، والله تعالى يُنصف، ويُعَلِّمنا الإنصاف، حتى مع من كفر به، فالحكم ليس على كلِّ أهل الكتاب، ولكن على طائفة منهم.

فقد أشار القرآن إلى أن هؤلاء الفلول من المنافقين، والمضلِّلين من أهل الكتاب وحَّدتهم المصالح الوهمية العاجلة، ولأنها كذلك فهى لا تدوم، فسرعان ما ينفضُّ المنافقون خاصَّة من حولهم، وبالذات عند تقاسم المغارم، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ*لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ} [الحشر:11-12].

ومن تلك الجموع التى التقت على الصدِّ عن الحق عتاة المشركين، وصناديدهم، فهدفهم مع بقية الكافرين واحد، والكفر ملَّة واحدة، قال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام:26] يجمعون بين الأسوأ ينينهون غيرهم عن سماع الحقِّ، وإتباعه، وينأون بأنفسهم عنه، فيَضلُّون، ويُضلُّون.

وهؤلاء وأولئك الذين إختاروا طريق الصدِّ عن سبيل الله، ومحاربة الله ورسوله نظَّموا صفوفهم، وإتَّخذوا لهم قيادات، هم أئمة فى الكفر، ففى كل أمة قياداتٌ فى الإجرام، تقوده، وتدفع به إلى الأمام، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام:123] قادوا أتباعهم إلى الهاوية، والهلاك، فهلكوا، وأهلكوا، وهم لا يشعرون بذلك يوم أن ضلُّوا، وأضلُّوا، قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ*فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ*فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} [النمل:50-52].

إن هؤلاء الذين إجتمعوا على الكفر وما تفرَّع عنه من ظاهر الإثم وباطنه من المكر، والكيد، والخداع، والإفساد، والإجرام، وغير ذلك من الفظائع كما التقوا على تلك الفظائع، وتناوبوا الأدوار على تنفيذها، حسب مهاراتهم فى الخسَّة، وتفنُّنهم فى تنفيذ الجريمة إشتركوا كذلك فى فقدان الشعور، وتبلُّد الحسِّ، وهم يشتركون كذلك فى العاقبة التى تبغتهم من حيث لا يشعرون، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِنْ نَبِىٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ*ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:94-95].

إن تراكم الخطايا التى إرتكبوها، وشنيع الأعمال التى إكتسبوها رانت على قلوبهم، وإنتقلت إلى بقية مداركهم، فأفقدتهم الشعور، بل أفقدتهم الحياة، قال تعالى: {كَلاَ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]، قال تعالى فى شأن المنافقين: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18]، وقال تعالى عن إخوانهم الكافرين: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171].

وهكذا فكما أن سنَّة الله تعالى لم تتخلَّف فى الغابرين، فإنها لن تتخلَّف فيمن جاء بعدهم من إخوانهم اللاحقين، ولن تجد لسنة الله تبديلا، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:20-21].

أجل، إن فقدان هذه الجموع لشعورهم هو القاسم المشترك بينهم، وفقدان الشعور عندما يصل إلى هذا المنحدر الذى وصلوا إليه يستوى مع فقدان الحياة نفسها، ومن فقد الحياة فى الدنيا فكيف يستحقها فى الآخرة، إلا إذا كانت حياةً الموتُ خيرٌ منها، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل:81].

الملاحظ أن هذه الفئات التى فقدت الشعور، فأورثها فقدان الشعور فقدان الإنسانية لم تستحق الخطاب، فكان المناسب الحديث عنها بالغيبة، لا الخطاب، حتى تكون عبرة للمعتبرين، وكيف يخاطب الأموات.

=القسم الخامس: عن آيات خاصّة، كلٍّ منها قيلت فيمن تتحدث عنهم.

وهى ثلاثة أنواع:

1= آية تتحدَّث عن إخوة يوسف، وهى قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [يوسف:15].

2= آية تتحدَّث عن نصيحة النملة لبقية النمل أن يدخلوا مساكنهم، حتى لا يتعرضوا للهلاك من قِبَل سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَىُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18].

وآيتان جاءتا فى سياق الحديث عن نشأة موسى عليه السلام فى بيت فرعون، وكيف أن الله تعالى نقل نبيه، وكليمه من عناية إلى عناية، وعلى أيدى فرعون وآله من غير أن يشعروا، والآيتان هما قوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِى وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [القصص:9]، وقوله تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [القصص:11].

وفى تلك الآيات جمعٌ من العبر أتى فى كل قصة، وفى سياقها.

وعليه فإن قطعان الماشية هى أسعد ما تكون وهى راتعة بين يدى الجزّار وهو يقدّم لها أطايب الطعام، وهى لا تدرى من عاقبة أمرها إلا اللذة العاجلة فى اللحظة الحاضرة التى تشبع فيها نهمها، لاهية، راتعة، فإذا ما شُحذت السكّين أمامها بدأت تشعر بما يراد لها، فإذا ذُبح أمامها أحدُ أفرادها جُنَّ جنونها، وأدركت أن الدور عليها، فهل وصل فقدان الشعور ببعض بنى البشر ألاَّ يشعروا بما يُراد بهم، وإن رأوا السكين على رقاب إخوانهم، مع علمهم أنها لا تستثنى أحدًا؟، وهل يحقُّ لهم بعدئذٍ أن يوهموا أنفسهم أنهم أرقى شعورًا، وأرقُّ حساًّ من القطيع؟!.

الكاتب: أ.د. حبيب الله حسن أحمد.

المصدر: موقع الجمعية الشرعية الرئيسية.